كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال: ما أعلمك بأمانته؟ فذكرت ما كان من أمره إياها بالمشي وراءه وأنه صوب رأسه حتى بلغته الرسالة، وقدمت وصف القوة مع أن أمانة الأجير لحفظ المال أهم في نظر المستأجر لتقدم علمها بقوته عليه السلام على علمها بأمانته أو ليكون ذكر وصف الأمانة بعده من باب الترقي من المهم إلى الأهم، واستدل بقولها استأجره على مشروعية الإجارة عندهم وكذا كانت في كل ملة وهي من ضروريات الناس ومصلحة الخلطة خلافًا لابن علية والأصم حيث كانا لا يجيزانها وهذا مما انعقد عليه الإجماع وخلافهما خرق له فلا يلتفت إليه وهذا لعمري غريب منهما إن كانا لا يجيزان الإجارة مطلقًا، ورأيت في الأكليل أن في قوله تعالى: {أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتى هَاتَيْنِ على أَن تَأْجُرَنِى} [القصص: 27] الخ ردًا على من منع الإجارة المتعلقة بالحيوان عشر سنين لأنه يتغير غالبًا فلعل الإجارة التي لا يجيزانها نحو هذه الإجارة والأمر في ذلك أهون من عدم إجازة الإجارة مطلقًا كما لا يخفى.
{قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتى}.
استئناف بياني كأنه قيل: فما قال أبوها بعد أن سمع كلامها؟ فقيل: قال إني.
وفي تأكيد الجملة إظهار لمزيد الرغبة فيما تضمنته الجملة، وفي قوله: {ابنتى هَاتَيْنِ} إيماء إلى أنه كانت له بنات أخر غيرما، وقد أخرج ابن المنذر عن مجاهد أن لهما أربع أخوات صغار، وقال البقاعي: إن له سبع بنات كما في التوراة وقد قدمنا نقل ذلك وفي الكشاف فيه دليل على ذلك.
واعترض بأنه لا دلالة له فيه على ما ذكر إذ يكفي في الحاجة إلى الإشارة عدم علم المخاطب بأنه ما كانت له غيرهما.
وتعقب بأنه على هذا تكفي الإضافة العهدية ولا يحتاج إلى الإشارة فهذا يقتضي أن يكون للمخاطب علم بغيرهما معهود عندهم أيضًا، وإنما الإشارة لدفع إرادة غيرهما من ابنتيه الأخريين له من بينهن؛ ونعم ما قال الخفاجي لا وجه للمشاحة في ذلك فإن مثله زهرة لا يحتمل الفرك.
وقرأ ورش وأحمد بن موسى عن أبي عمرو {أُنكِحَكَ إِحْدَى} بحذف الهمزة، وقوله تعالى: {على أَن} في موضع الحال من مفعول {أَنْ أُنكِحَكَ} أي مشروطًا عليك أو واجبًا أو نحو ذلك، ويجوز أن يكون حالًا من فاعله قاله أبو البقاء، وتأجرني من أجرته كنت له أجيرًا كقولك أبوته كنت له أبا، وهو بهذا المعنى يتعدى إلى مفعول واحد، وقوله تعالى: {ثَمَانِىَ حِجَجٍ} ظرف له، ويجوز أن يكون تأجرني بمعنى تثيبني من أجره الله تعالى على ما فعل أي أثابه فيتعدى إلى اثنين ثانيهما هنا ثماني حجج.
والكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي تثيبني رعية ثماني حجج أي تاجعلها ثوابي وأجرى على الإنكاح ويعني بذلك المهر.
وجوز على هذا المعنى أن يكون ظرفًا لتأجرني أيضًا بحذف المفعول أي تعوضني خدمتك أو عملك في ثماني حجج، ونقل عن المبرد أنه يقال: أجرت داري ومملوكي غير ممدود وآجرت ممدودًا، والأول أكثر فعلى هذا يتعدى إلى مفعولين، والمفعول الثاني محذوف، والمعنى على أن تأجرني نفسك، وقد يتعدى إلى واحد بنفسه، والثاني بمن فيقال: أجرت الدار من عمرو، وظاهر كلام الأكثرين أنه لا فرق بين آجر بالمد وأجر بدونه، وقال الراغب: يقال أجرت زيدًا إذا اعتبر فعل أحدهما، ويقال: آجرته إذا اعتبر فعلاهما وكلاهما يرجعان إلى معنى، ويقال كما في القاموس أجرته أجرًا وآجرته إيجارًا ومؤاجرة.
وفي تحفة المحتاج آجره بالمد إيجارًا وبالقصر يأجره بكسر الجيم وضمها أجرًا، وفيها أن الإجارة بتثليث الهمزة والكسر أفصح لغة اسم للآجرة ثم اشتهرت في العقد، والحجج جمع حجة بالكسر السنة {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا} في الخدمة والعمل {فَمِنْ عِندِكَ} أي فهو من عندك من طريق التفضل لا من عندي بطريق الإلزام {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} بإلزام إتمام العشر والمناقشة في مراعاة الأوقات واستيفاء الأعمال، واشتقاق المشقة وهي ما يصعب تحمله من الشق بفتح الشين وهو فصل الشيء إلى شقين فإن ما يصعب عليه يشق عليه رأيك في أمره لتردده في تحمله وعدمه {سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصالحين} في حسن المعاملة ولين الجانب والوفاء بالعهد ومراد شعيب عليه السلام بالاستثناء التبرك به وتفويض أمره إلى توفيقه تعالى لا تعليق صلاحه بمشيئته سبحانه بمعنى أنه إن شاء الله تعالى استعمل الصلاح وإن شاء عز وجل استعمل خلافه لأنه لا يناسب المقام.
وقيل: لأن صلاحه عليه السلام متحقق فلا معنى للتعليق، ونحوه قول الشافعي: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ}.
مبتدأ وخبر أي ذلك الذي قلت وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم وثابت بيننا جميعًا لا يخرج عنه واحد منا لا أنا عما شرطت علي ولا أنت عما شرطت على نفسك، وقوله سبحانه: {أَيَّمَا الاجلين} أي أطولهما أو أقصرهما {قُضِيَتِ} أي وفيتك بأداء الخدمة فيه {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ} تصريح بالمراد وتقرير لأمر الخيار أي لا عدوان كائن على بطلب الزيادة على ما قضيته من الأجلين وتعميم انتفاء العدوان بكلا الأجلين بصدد المشارطة مع تحقق عدم العدوان في أطولهما رأسًا للقصد إلى التسوية بينهما في الانتفاء أي كما لا أطالب بالزيادة على العشر لالا أطالب بالزيادة على الثمان أو أيما الأجلين قضيت فلا إثم كائن علي كما لا إثم علي في قضاء الأطول لا إثم علي في قضاء الأقصر فقط.
وقرأ عبد الله {أَيُّ الاجلين مَا قُضِيَتِ} فما مزيدة لتأكيد القضاء أي أي الأجلين صممت على قضائه وجردت عزيمتي له كما أنها في القراءة الأولى مزيدة لتأكيد إبهام أي وشياعها، وجعلها نافية لا يخفى ما فيه؛ وقرأ الحسن، والعباس عن أبي عمرو {أَيَّمَا} بتسكين الياء من غير تشديد كما في قول الفرزدق:
تنظرت نصرًا والسماكين أيهما ** على من الغيث استهلت مواطره

وأصلها المشددة وحذفت الياء تخفيفًا وهي مما عينه واو ولامه ياء، ونص ابن جني على أنها من باب أويت قياسًا واشتقاقًا وقد نقل كلامه في بيان ذلك العلامة الطيبي في شرح الكشاف فليرجع إليه من شاء.
وقرأ أبو حيوة وابن قطيب {فَلاَ عدوان} بكسر العين {والله على مَا نَقُولُ} من الشروط الجارية بيننا {وَكِيلٌ} أي شهيد على ما روى عن ابن عباس، وقال قتادة: حفيظ، وفي البحر الوكيل الذي وكل إليه الأمر ولما ضمن معنى شاهد ونحوه عدي بعلي ومن هنا قيل: أي شاهد حفيظ، والمراد توثيق العهد وأنه لا سبيل لأحد منهما إلى الخروج عنه أصلًا، وهذا بيان لما عزما عليه واتفقا على إيقاعه إجمالًا من غير تعرض لبيان مواجب عقدي النكاح والإجارة في تلك الشريعة تفصيلًا.
وقول شعيب عليه السلام: {إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ} [القصص: 27] الخ ظاهر في أنه عرض لرأيه على موسى عليه السلام واستدعاء منه للعقد لا إنشاء وتحقيق له بالفعل، ولم يجزم القائلون باتفاق الشريعتين في ذلك بكيفية ما وقع، فقيل لعلم النكاح جرى على معينة بمهر غير الخدمة المذكورة وهي إنما ذكرت على طريق المعاهدة لا المعاقدة فكأنه قال: أريد أن أنكحك إحدى ابنتي بمهر معين إذا أجرتني ثماني حجج بأجرة معلومة فما تقول في ذلك فرضي فعقد له على معينة منهما، فلا يريد أن الإبهام في المرأة المزوجة غير صحيح، وعلى الخدمة ومنافع الحر عندنا أيضًا خصوصًا إذا قيل: إن مدتها غير معينة وهي أيضًا ليست للزوجة بل لأبيها فكيف صح كونها مهرًا، وقيل: يجوز أن يكون جرى على معينة بمهر الخدمة المذكورة ولا فساد في جعل الرعية مهرًا فإنه جائز عند الشافعي عليه الرحمة وكذا عند الحنفية كما يفهم من الهداية ونقل عن صاحب المدارك أنه قال: التزوج على رعي الغنم جائز بالإجماع لأنه قيام بأمر الزوجية لا خدمة صرفة، وفي دعوى الإجماع أن أريد به إجماع الأئمة مطلقًا بحث، ففي المحيط البرهاني لو تزوجها على أن يرعى غنمها سنة لم يجز على رواية الأصل، وروى ابن سماعة عن محمد أنه يجوز في الرعي، وفي الانتصاف مذهب مالك في ذلك على ثلاثة أقوال المنع والكراهة والجواز، ويقال على الجواز كانت الغنم للمزوجة لا لأبيها وليس في المدة إبهام إذ هي الحجج الثمان والزائدة قد وعد موسى عليه السلام الوفاء به إن تيسر له على أن الإبهام في المهر يجوز كما هو مبين في الفروع، وقال بعضهم يجوز أن تكون الشرائع مختلفة في أمر الإنكاح فلعل إنكاح المبهمة جائز في شريعة شعيب عليه السلام ويكون التعيين للولي أو للزوج، وكذا جعل خدمة الولي صداقًا ونحو ذلك مما لا يجوز في شريعتنا.
ولا يرد أن ما قص من الشرائع السالفة من غير إنكار فهو شرع لنا لأنه على الإطلاق غير مسلم.
وفي الأكليل عن مكي أنه قال: في الآية خصائص في النكاح:
منها أنه لم يعين الزوجة، ولا حد أول المدة، وجعل المهر إجارة، ودخل ولم ينفذ شيئًا.
والذي يميل إليه القلب اختلاف الشرائع في مواجب النكاح وربما يستأنس له بما في الفصل التاسع والعشرين من السفر الأول من التوراة أن يعقوب عليه السلام مضى إلى بلد أهل الشرق فإذا بئر في الصحراء على فمها صخرة عظيمة وعندها ثلاثة قطعان من الغنم فقال لرعاتها: من أين أنتم يا إخوة؟ قالوا: من حران فقال لهم: أتعرفون لأبان بن ناحور؟ فقالوا: نعم فقال: أحي هو؟ قالوا: نعم وهذه راحيل ابنته مع الغنم ثم قال: ليس هذا وقت انضمام الماشية فاسقوا الغنم وامضوا بها فارعوها.
قالوا: لا نطيق ذلك إلى أن تجتمع الرعاة ويدحرجوا الصخرة عن فم البئر فبينما هو يخاطبهم جاءت راحيل مع غنم أبيها فلما رأى ذلك تقدم ودحرج الصخرة وسقى غنم خاله لأبان ثم قبل راحيل وبكى وأخبرها أنه ابن عمتها ربقًا فأخبرت أباها فخرج للقائه فعانقه وقبله وأدخله إلى منزله ثم قال لأبان له: أما أنت فعظمي ولحمي ومكث عنده شهرًا فقال له لأبان: أنت وإن كنت ذا قرابة مني لا أستحسن أن تخدمني مجانًا فأخبرني بما تريد من الأجرة؟ وكان له ابنتان اسم الكبرى ليا واسم الصغرى راحيل وعينا ليا حسنتان وراحيل حسنة الحلية والمنظر فأحبها يعقوب فقال: أخدمك سبع سنين براحيل فقال: لأبان: إعطائي إياها لك أصلح من إعطائي إياها لرجل آخر فأقم عندي فخدمه براحيل سبع سنين ثم قال: أعطني زوجتي فقد كملت أيامي فجمع لأبان أهل الموضع وصنع لهم مجلسًا فلما كان العشاء أخذ ليا بنته فزفها إليه ودخل عليها فأعطاها لأبان أمته زلفا لتكون لها أمة فلما كانت الغداة فإذا هي ليا فقال للأبان: ماذا صنعت بي أليس براحيل خدمتك؟ قال: نعم لكن لا تزوج الغرى قبل الكبرى في بلدنا فأكمل أسبوع هذه وأعطيك اختها راحيل أيضًا بالخدمة التي تخدمها عندي سبع سنين أخر فكمل يعقوب أسبوع ليا ثم أعطاه ابنته راحيل زوجة وأعطاها أمته بلها لتكون لها أمة، فلما دخل عليها يعقوب أحبها أكثر من حبه ليا ثم خمه سبع سنين أخر. اهـ.
وأخبرني بعض أهل الكتاب أنه يجوز أن تكون خدمة الأب مهرًا لابنته ويلزم الأب إرضاؤها بشيء إذا كانت كبيرة وأن ما التزم من الخدمة لا يجب فعله قبل الدخول ويكفي الالتزام والتعهد، وأن المهر عندهم كل شيء له قيمة أو ما في حكمها، وأن تسليم المرأة نفسها للزوج راضية بما يحصل لها منه من قضاء الوطر والانتفاع بدلًا عن المهر قد يقوم مقام المهر، وأن حل الجمع بين الأختين كان ليعقوب عليه السلام خاصة، وهذا الأخير مما ذكره علماء الإسلام والله تعالى أعلم بصحة غيره مما ذكر من الكلام، هذا وللعلماء في الآية استدلالات قال في الإكليل: فيها استحباب عرض الرجل موليته على أهل الخير والفضل أن ينكحوها، واعتبار الولي في النكاح، وأن العمى لا يقدح في الولاية فإنه عليه السلام كان أعمى، واعتبار الإيجاب والقبول في النكاح وقال ابن الغرس: استدل مالك بهذه الآية على إنكاح الأب البكر البالغة بغير استئمار لأنه لم يذكر فيها استئمار.
قال: واحتج بعضهم على جواز أن يكتب في الصداق أنكحه إياها خلافًا لمن اختار أنكحها إياه قائلًا لأنه إنما يملك النكاح عليها لا عليه.
قال ابن العربي: استدل بها أصحاب الشافعي على أن النكاح موقوف على لفظ الإنكاح والتزويج.
قال: واستدل بها قوم على جوار الجمع بين نكاح وإجارة في صفقة واحدة فعدوه إلى كل صفقة تجمع عقدين وقالوا بصحتها.
قال: واستدل بها علماؤنا على أن اليسار لا يعتبر في الكفاءة فإن موسى عليه السلام لم يكن حينئذ موسرًا.